احمد رشوان
07-16-2018, 08:33 AM
طـــين ومـــاء
========
التقاها بمحطة باص الإسكندرية .. كان يحتسي قهوته انتظارا لتحرك الباص المتجه للقاهرة .. من الوهلة الأولي .. أسرت نظراته .. ما هذه الهالة من الضوء التي تشرقها بالمكان .. لم يكن يعلم أنه يوم ما سيلقي .. ملاكاً بهذه النورانية .. اجتازته وهو مازال يحتويها بمقلتيه .. بالطاولة المجاورة كانت تجلس سيدة في منتصف العمر تحتسي الشاي .. جلست بجوارها .. وعينيه تطاردها .. سمعها تسأل السيدة أن كانتوجهتها القاهرة .. لم يكن الوجه فقط ملائكي .. بل الصوت أيضا .. نغمات هادئة علي أوتار قيثارة .. نسجت من خيوط القمر .. حمد **** .. أن السيدة أجابت بالنفي .. بدون لحظة تفكير .. بادرها .. أنا ذاهب للقاهرة .. رمته بسهام رمشيه ذابحة عقابا .. علي اقتحامه عرشها .. أعتذر بأدب .. معللا .. أنه فقط أراد المساعدة .. تمنى لو كانت ستلفظه .. أن تتروى قليلاً .. حتى تتشبع روحه بخجل العذارى .. اقتربت هامسه حضرتك قاهري .. أجابت عينيه .. وروحه .. وقلبه .. ولو لم أكن قاهري النشاْة والحياة والموت أيضاً .. لو أرادت .. أما لسانه .. فلم ينطق .. أشار بإيحائه من رأسه خشية أن يمحو صوته الأجش نغمات صوتها من أذنه .. ثم بسيمفونية لفظية قالت .. مقصدي باب اللوق .. لم يتكلم .. بل لعله لم يتنفس .. وإنما .. أشار بهزتين متتاليتن من رأسه .. حسبتهم هي أجابه شافيه .. بينما هما ما إلا ترنحات رأس ثمل من جمالها الأثر .. يا لرحمة **** .. بعبده المفتون .. جلست بالكرسي الذي أمامه مباشرة .. طلب من **** المزيد .. بألا يكتمل مربع الكرسي .. كم أنت عطوف يا **** .. ترك الباص المحطة.. وأنا و هي فقط ومقعدان خاليان .. تجرأ وسألها عن وجهتها في باب اللوق .. أجابت بأن شقيقها طبيب وله عيادة هناك .. ما أجمل الكذب في هذه اللحظات .. أحس بأن الصدق وزر يجب تجنبه .. أجاب أنه متجه فعلاً لباب اللوق .. لمعاودة طبيبه الخاص .. محا من ذاكرته مصر الجديدة .. وجهته الحقيقية لإتمام صفقة تجارية بأحد الشركات .. مرت النادلة ..عرض عليها بأدب دعوى لكاْس من العصير تمني لو توافق .. صدمته باعتذارها قائلة .. أنها في حالة دايت .. ولذلك تحمل عصيرها الخال من السكر معها .. ألح عليها أن بإمكان النادلة إحضار عصير خال من السكر .. بعد تردد .. وافقت .. جاءت النادلة بقهوته السادة وعصيرها الطبيعي .. يا **** ... ما هذه الشفاه أه يا ربي ..عذراً أمنحني نارك لو كانت بمثل هذا ****يب .. مرت الدقائق وليس هناك سوي همسات العيون .. وعبارات المجاملة التي كان يختلسها من بين أفكاره المشتتة .. حاول أن يبادلها حديث يشتاق لسمعه فؤاده .. وليس أذنه .. ولكنه خشي أن طمع يخرج من الجنة .. بعد مدة لا يعلمها .. فالوقت تجمد لديه .. مدت يدها لشنطتها .. أخرجت مناديلها الورقيه وعلبتا عصير .. دعته بعينهيا لتناول احداهما ..اعتذر بأدب .. قالت في همس .. لا تخشي فهذه محلاة ..أخطأ البائع في إعطائها أياي .. مد يده .. حاول ملامسة أناملها .. خشي أن يفقدها بتهوره .. لمحته ..غاب عن الدنيا في نظرة لشفاهها وهي ترشف العصير .. نهرته ونهته بنظره ساحره أرتبك .. داري ارتباكه في ارتشاف العصير من ثقب العلبة .. أشرقت الشمس لضحكتها .. فقد بلل نفسه .. ابتسم في خجل .. أخرجت كتاب وأخذت تقرأه .. أحس بأنها أصدرت أمراً بعدم الإزعاج .. أراح ظهره لمسند الكرسي المطاطي .. أغمض عينيه علي صورتها حتى لا تشوهها صور أخري .. رآها بخياله .. تأخذه بيدها إلي حيث تسكن بجوار النجوم وراى النجوم تنسحب واحدة تلو الاخرى .. خجلا .. رقصت بين أحضانه التانجو .. أكثر من ضعف عمره .. أنها الجنة بلا شك .. وكيف أشك .. وأنا بين يدي حورية .. اختزلت كل حوريات الجنة .. أفاق من سكرات الهيام علي يد تربت عليه اعتقدها هي هم بلثمها .. خشى غضبها .. فتح عينه .. وجده المحصل .. يخبره بالوصول للقاهرة .. شكره .. نظر أمامه .. ما الذي لا يراه هنا .. لقد فقدها أحس بالحزن يسيطر عليه .. زاد حزنه .. تركه إياها تفلت من يده .. بعد لحظات اكتشف أنه لم يفقدها فقط .. بل فقد شنطته وتليفونه المحمول وساعته الذهبية ...... بعد حين في أحد الطرق وفي طريقه لقسم الشرطة ... أخذ يردد أبيات إبراهيم ناجى بابتسامة ساخرة ..
هاك فأنظر عدد الرمل قلوباً ونساء فتخير ما تشاء .. ذهب العمر هباء
ظل في الأرض من ينشد أبناء السماء أي روحانية تعصر من طين وماء
وفي طريق أخر كانت الملاك تقول لأخر من خلال تليفونها المحمول .. لو لم أحجز الكراسي الشاغرة ما أستطعت الحصول علي الشنطة .
احمد حسين محمود
11/5/2006
========
التقاها بمحطة باص الإسكندرية .. كان يحتسي قهوته انتظارا لتحرك الباص المتجه للقاهرة .. من الوهلة الأولي .. أسرت نظراته .. ما هذه الهالة من الضوء التي تشرقها بالمكان .. لم يكن يعلم أنه يوم ما سيلقي .. ملاكاً بهذه النورانية .. اجتازته وهو مازال يحتويها بمقلتيه .. بالطاولة المجاورة كانت تجلس سيدة في منتصف العمر تحتسي الشاي .. جلست بجوارها .. وعينيه تطاردها .. سمعها تسأل السيدة أن كانتوجهتها القاهرة .. لم يكن الوجه فقط ملائكي .. بل الصوت أيضا .. نغمات هادئة علي أوتار قيثارة .. نسجت من خيوط القمر .. حمد **** .. أن السيدة أجابت بالنفي .. بدون لحظة تفكير .. بادرها .. أنا ذاهب للقاهرة .. رمته بسهام رمشيه ذابحة عقابا .. علي اقتحامه عرشها .. أعتذر بأدب .. معللا .. أنه فقط أراد المساعدة .. تمنى لو كانت ستلفظه .. أن تتروى قليلاً .. حتى تتشبع روحه بخجل العذارى .. اقتربت هامسه حضرتك قاهري .. أجابت عينيه .. وروحه .. وقلبه .. ولو لم أكن قاهري النشاْة والحياة والموت أيضاً .. لو أرادت .. أما لسانه .. فلم ينطق .. أشار بإيحائه من رأسه خشية أن يمحو صوته الأجش نغمات صوتها من أذنه .. ثم بسيمفونية لفظية قالت .. مقصدي باب اللوق .. لم يتكلم .. بل لعله لم يتنفس .. وإنما .. أشار بهزتين متتاليتن من رأسه .. حسبتهم هي أجابه شافيه .. بينما هما ما إلا ترنحات رأس ثمل من جمالها الأثر .. يا لرحمة **** .. بعبده المفتون .. جلست بالكرسي الذي أمامه مباشرة .. طلب من **** المزيد .. بألا يكتمل مربع الكرسي .. كم أنت عطوف يا **** .. ترك الباص المحطة.. وأنا و هي فقط ومقعدان خاليان .. تجرأ وسألها عن وجهتها في باب اللوق .. أجابت بأن شقيقها طبيب وله عيادة هناك .. ما أجمل الكذب في هذه اللحظات .. أحس بأن الصدق وزر يجب تجنبه .. أجاب أنه متجه فعلاً لباب اللوق .. لمعاودة طبيبه الخاص .. محا من ذاكرته مصر الجديدة .. وجهته الحقيقية لإتمام صفقة تجارية بأحد الشركات .. مرت النادلة ..عرض عليها بأدب دعوى لكاْس من العصير تمني لو توافق .. صدمته باعتذارها قائلة .. أنها في حالة دايت .. ولذلك تحمل عصيرها الخال من السكر معها .. ألح عليها أن بإمكان النادلة إحضار عصير خال من السكر .. بعد تردد .. وافقت .. جاءت النادلة بقهوته السادة وعصيرها الطبيعي .. يا **** ... ما هذه الشفاه أه يا ربي ..عذراً أمنحني نارك لو كانت بمثل هذا ****يب .. مرت الدقائق وليس هناك سوي همسات العيون .. وعبارات المجاملة التي كان يختلسها من بين أفكاره المشتتة .. حاول أن يبادلها حديث يشتاق لسمعه فؤاده .. وليس أذنه .. ولكنه خشي أن طمع يخرج من الجنة .. بعد مدة لا يعلمها .. فالوقت تجمد لديه .. مدت يدها لشنطتها .. أخرجت مناديلها الورقيه وعلبتا عصير .. دعته بعينهيا لتناول احداهما ..اعتذر بأدب .. قالت في همس .. لا تخشي فهذه محلاة ..أخطأ البائع في إعطائها أياي .. مد يده .. حاول ملامسة أناملها .. خشي أن يفقدها بتهوره .. لمحته ..غاب عن الدنيا في نظرة لشفاهها وهي ترشف العصير .. نهرته ونهته بنظره ساحره أرتبك .. داري ارتباكه في ارتشاف العصير من ثقب العلبة .. أشرقت الشمس لضحكتها .. فقد بلل نفسه .. ابتسم في خجل .. أخرجت كتاب وأخذت تقرأه .. أحس بأنها أصدرت أمراً بعدم الإزعاج .. أراح ظهره لمسند الكرسي المطاطي .. أغمض عينيه علي صورتها حتى لا تشوهها صور أخري .. رآها بخياله .. تأخذه بيدها إلي حيث تسكن بجوار النجوم وراى النجوم تنسحب واحدة تلو الاخرى .. خجلا .. رقصت بين أحضانه التانجو .. أكثر من ضعف عمره .. أنها الجنة بلا شك .. وكيف أشك .. وأنا بين يدي حورية .. اختزلت كل حوريات الجنة .. أفاق من سكرات الهيام علي يد تربت عليه اعتقدها هي هم بلثمها .. خشى غضبها .. فتح عينه .. وجده المحصل .. يخبره بالوصول للقاهرة .. شكره .. نظر أمامه .. ما الذي لا يراه هنا .. لقد فقدها أحس بالحزن يسيطر عليه .. زاد حزنه .. تركه إياها تفلت من يده .. بعد لحظات اكتشف أنه لم يفقدها فقط .. بل فقد شنطته وتليفونه المحمول وساعته الذهبية ...... بعد حين في أحد الطرق وفي طريقه لقسم الشرطة ... أخذ يردد أبيات إبراهيم ناجى بابتسامة ساخرة ..
هاك فأنظر عدد الرمل قلوباً ونساء فتخير ما تشاء .. ذهب العمر هباء
ظل في الأرض من ينشد أبناء السماء أي روحانية تعصر من طين وماء
وفي طريق أخر كانت الملاك تقول لأخر من خلال تليفونها المحمول .. لو لم أحجز الكراسي الشاغرة ما أستطعت الحصول علي الشنطة .
احمد حسين محمود
11/5/2006