احمد رشوان
07-16-2018, 08:49 AM
الحساب
========
قصة قصيرة
=========
عم صابر يجلس على طاولته المفضلة خلف الحائط الايمن بالمقهى في حارة الصابرين -- فنجان القهوة لم يرتشف منه سوى القليل – سحب الدخان تكاد تملأ الفراغ وتطرد الهواء النقي من الحارة – من المستحيل ان يكون هذا بفعل الشيشة فهي اصلآ مكتومة – تجاهل الجرسون صوته المحشرج وهو يرجوه ان يستبدلها - الدخان ساخن جدآ – لاحظ هرج في كل اركان الحارة – مصدر الهرج الشارع الكبير – سمع بعض الكلمات التي تؤكد ان القاهرة تحترق – القاهرة – المدينة التي اطفأت نارها نورها – اكمل عم صابر قهوته وهو يستمع للراديو – كان يذيع بيانآ للجيش يبشر الشعب بتطهير البلاد من الفاسدين – طالب الجرسون بكوب ماء – استمهله حتى ينتهي الزعيم من تلاوة قراره بتأميم قناة السويس التي دفن في اغوارها اجداده – قلب عم صابر قطعتين من السكر في كوب الماء وابتلعه آملآان يخفي مرارة حلقه الجاف من شدة نحيبه على ولده الضائع في النكسة – بادر الجرسون عم صابر قاءلآ : مش ح تمشي في الجنازة ؟ - اجابه بعينه المتورمة من البكاء : مش ح اقدر استحمل فراقه - - استجمع عامل البوفية الكسول دموع زبائنه الساخنة وصنع منها مشروبات المقهى موفرآ الكيروسين – وما بقى من دموعهم برده يدويآ وحوله لقطع صغيرة من الثلج لزوم زجاجات البيرة – اختطف بصر عم صابر من خلال جلسته على المقعد بالمقهى مشهد اناس كان هو وكل رواد المقهى يألهونهم رأهم مقيدي الارجل والايادي والافواه والاعين يجرهم حصان كبير على صهوته فارس اسمر اللون – بفعل اشارة مفاجئة من يد عم صابر اطاح بكوب القرفة – كسر الكوب – لملم الجرسون بقاياه – جرحت يده – هلع الجرسون من منظر قطرات الدم – هون عم صابر الامر عليه قائلآ : في دم اكتر من كده بكتير روى ارض سينا في رمضان – على نفقة صاحب المقهى قدم الجرسون فنجان شاي لعم صابر – كانت الحروف الاجنبية تحيط بالفنجان والصينية من كل جانب – حذر عم صابر الجرسون قائلآ : اوعى تكون العدة دي من الجماعة اياهم ؟ اجاب الجرسون نافيآ : اطمءن يا عم صابر – حتى لو كان – هما مش بقوا من جماعتنا خلاص – امتلأ المقهى بالكثير من الحرفيين انتظارآ لصرف رواتبهم قبل عيد الاضحى – انتبه الجميع لصوت طلقات رصاص مصدره احد الافراح – بل اهم الافراح – بعد تبين الخبر – دمعت روح عم صابر- وكتبت على خديه المجعدين بفعل الالم – وداعآ يا من جئت في الزمن الخطأ – الراديو يذيع اغاني كلماتها والحانها غريبه على مسامعه – الجرسون يدندن كلمات منفرة – المتحدثون في المقهى يمجدون اسماء اناس لايعرفهم – سمع صاحب المقهى يسأل نفسه بصوت عال : يا ترى مين عليه الدور بعد الرشيد ؟ - بفتور اجاب عم صابر همسآ : المهم مش أنا – ثم سأل نفسه مستفهمآ : **** وليه لأ ؟ هناك زي هنا – هي بس هدوم – اخرجه الجرسون من تساؤلاته بسؤال وقح كالعادة : تجيب بطاقتك الانتخابية وتاخد 20 جنيه ؟ نظر له عم صابر نظرة زاجرة – مستنكرآ – ثم – ثم اعطاه البطاقة محذرآ اياه انه لن يقبل اقل من 50 جنيه – بعد فترة وكأنه تذكر فجأة اخرج جريدته الصباحية من مدفنها بجيب الجاكت القديم – وجد ان اخبارها سبق ان سمعها ورآها واكثر منها – وما يخالفها من التلفيزيون عبر الطبق الضخم الذي يعلو المقهى – ركنها جانبآ هامسآ : خسارة الفلوس – عاد يتابع الاخبار من التليفزيون – بما تبقى من بصره وجد كبارآ يهانوا – وفتيات تتععرى بأيد اخوتهم المحتمين ببدلاتهم الرسمية – كمن لدغته افعى – وقف لاول مرة – حملته اقدامه الواهنة – نادى الجرسون : الحساب الحساب - رد الجرسون بسخرية : انت لسه فاكر يا عم صابر ؟ عم صابر معتذرآ : معلهش القعدة خدتني – المهم دلوقتي الحساب كام ؟ بخبث معتاد قال الجرسون : عارف حسابك كام ؟
رد عم صابر انتو اللي عارفين – من خلال ورقة بيضاء خالية اجاب الجرسون : 27 جنيه و62 قرش و7 مليم – ارتبك عم صابر – بخبرته فهم الجرسون – فبادره بشماته : أنا آسف يا عم صابر – لو ما دفعتش ح أضطر آخد البدلة وهي مش ح تكفي – علشان كده ح آخد الكلسون كمان – معلهش دي اوامر المعلم – بضعف واستكانة قال عم صابر : معقول !! رد الجرسون ضاحكآ : انت عارف النظام ! لا اما تدفع – لا اما تقلع – ارتمى عم صابر بكل سنوات الشقاء التي عاشها على المقعد وقال للجرسون : أصبر شوية – يمكن ييجي ابني ويدفع الحساب ----------
احمد حسين ------ نوفمبر 2005
========
قصة قصيرة
=========
عم صابر يجلس على طاولته المفضلة خلف الحائط الايمن بالمقهى في حارة الصابرين -- فنجان القهوة لم يرتشف منه سوى القليل – سحب الدخان تكاد تملأ الفراغ وتطرد الهواء النقي من الحارة – من المستحيل ان يكون هذا بفعل الشيشة فهي اصلآ مكتومة – تجاهل الجرسون صوته المحشرج وهو يرجوه ان يستبدلها - الدخان ساخن جدآ – لاحظ هرج في كل اركان الحارة – مصدر الهرج الشارع الكبير – سمع بعض الكلمات التي تؤكد ان القاهرة تحترق – القاهرة – المدينة التي اطفأت نارها نورها – اكمل عم صابر قهوته وهو يستمع للراديو – كان يذيع بيانآ للجيش يبشر الشعب بتطهير البلاد من الفاسدين – طالب الجرسون بكوب ماء – استمهله حتى ينتهي الزعيم من تلاوة قراره بتأميم قناة السويس التي دفن في اغوارها اجداده – قلب عم صابر قطعتين من السكر في كوب الماء وابتلعه آملآان يخفي مرارة حلقه الجاف من شدة نحيبه على ولده الضائع في النكسة – بادر الجرسون عم صابر قاءلآ : مش ح تمشي في الجنازة ؟ - اجابه بعينه المتورمة من البكاء : مش ح اقدر استحمل فراقه - - استجمع عامل البوفية الكسول دموع زبائنه الساخنة وصنع منها مشروبات المقهى موفرآ الكيروسين – وما بقى من دموعهم برده يدويآ وحوله لقطع صغيرة من الثلج لزوم زجاجات البيرة – اختطف بصر عم صابر من خلال جلسته على المقعد بالمقهى مشهد اناس كان هو وكل رواد المقهى يألهونهم رأهم مقيدي الارجل والايادي والافواه والاعين يجرهم حصان كبير على صهوته فارس اسمر اللون – بفعل اشارة مفاجئة من يد عم صابر اطاح بكوب القرفة – كسر الكوب – لملم الجرسون بقاياه – جرحت يده – هلع الجرسون من منظر قطرات الدم – هون عم صابر الامر عليه قائلآ : في دم اكتر من كده بكتير روى ارض سينا في رمضان – على نفقة صاحب المقهى قدم الجرسون فنجان شاي لعم صابر – كانت الحروف الاجنبية تحيط بالفنجان والصينية من كل جانب – حذر عم صابر الجرسون قائلآ : اوعى تكون العدة دي من الجماعة اياهم ؟ اجاب الجرسون نافيآ : اطمءن يا عم صابر – حتى لو كان – هما مش بقوا من جماعتنا خلاص – امتلأ المقهى بالكثير من الحرفيين انتظارآ لصرف رواتبهم قبل عيد الاضحى – انتبه الجميع لصوت طلقات رصاص مصدره احد الافراح – بل اهم الافراح – بعد تبين الخبر – دمعت روح عم صابر- وكتبت على خديه المجعدين بفعل الالم – وداعآ يا من جئت في الزمن الخطأ – الراديو يذيع اغاني كلماتها والحانها غريبه على مسامعه – الجرسون يدندن كلمات منفرة – المتحدثون في المقهى يمجدون اسماء اناس لايعرفهم – سمع صاحب المقهى يسأل نفسه بصوت عال : يا ترى مين عليه الدور بعد الرشيد ؟ - بفتور اجاب عم صابر همسآ : المهم مش أنا – ثم سأل نفسه مستفهمآ : **** وليه لأ ؟ هناك زي هنا – هي بس هدوم – اخرجه الجرسون من تساؤلاته بسؤال وقح كالعادة : تجيب بطاقتك الانتخابية وتاخد 20 جنيه ؟ نظر له عم صابر نظرة زاجرة – مستنكرآ – ثم – ثم اعطاه البطاقة محذرآ اياه انه لن يقبل اقل من 50 جنيه – بعد فترة وكأنه تذكر فجأة اخرج جريدته الصباحية من مدفنها بجيب الجاكت القديم – وجد ان اخبارها سبق ان سمعها ورآها واكثر منها – وما يخالفها من التلفيزيون عبر الطبق الضخم الذي يعلو المقهى – ركنها جانبآ هامسآ : خسارة الفلوس – عاد يتابع الاخبار من التليفزيون – بما تبقى من بصره وجد كبارآ يهانوا – وفتيات تتععرى بأيد اخوتهم المحتمين ببدلاتهم الرسمية – كمن لدغته افعى – وقف لاول مرة – حملته اقدامه الواهنة – نادى الجرسون : الحساب الحساب - رد الجرسون بسخرية : انت لسه فاكر يا عم صابر ؟ عم صابر معتذرآ : معلهش القعدة خدتني – المهم دلوقتي الحساب كام ؟ بخبث معتاد قال الجرسون : عارف حسابك كام ؟
رد عم صابر انتو اللي عارفين – من خلال ورقة بيضاء خالية اجاب الجرسون : 27 جنيه و62 قرش و7 مليم – ارتبك عم صابر – بخبرته فهم الجرسون – فبادره بشماته : أنا آسف يا عم صابر – لو ما دفعتش ح أضطر آخد البدلة وهي مش ح تكفي – علشان كده ح آخد الكلسون كمان – معلهش دي اوامر المعلم – بضعف واستكانة قال عم صابر : معقول !! رد الجرسون ضاحكآ : انت عارف النظام ! لا اما تدفع – لا اما تقلع – ارتمى عم صابر بكل سنوات الشقاء التي عاشها على المقعد وقال للجرسون : أصبر شوية – يمكن ييجي ابني ويدفع الحساب ----------
احمد حسين ------ نوفمبر 2005