Ayman Hefny
04-09-2018, 12:30 AM
كنت أدرك أنه من العسير على النفس العودة من البستان إلى الصحراء ، بعدما تنعمت بالظل الكريم ، و هصرت من غضارة الأغصان النضرة ، و لكن العودة كانت قائمة ، فلقد عشت انتظر النهاية و أترقبها ، فاتبعت المثل العربى الدارج ( بيدى لا بيد عمرو ) ، و كانت يدى هى ما أخرجنى من البستان ، لكنها لم تكن ذات اليد التى أدخلتنى إليه ..
كان العمر يمر فى الصحراء يوما بعد يوم - مع التعود - حتى صارت البيداء جزءا من القلب ، و توهمت أن الحياة هكذا و لا حياة إلا هناك ، ثم رأيت اليد التى امتدت نحوى بكل حنان ، تحتوى ما تبقى فى قلبى من نور و نضارة ، لتبعث من جديد ما وارته الرمال و حجبته الأحزان ..
و استجبت لتلك الأيدى النديّة ، فظللت أطوف معها إلى أى موقع تأخذنى ، فانطلقت معها غير عابئ بما أفكر فيه ، و إذا بها تدخل بى إلى ذلك البستان المزهر المثمر ، و تطوفنا معا نرتوى من ينابيعه ، و نستظل بظلال أشجاره ، و نسابق الفراشات فى الوقوف على كل انواع الزهور ، كانت حياة منعمة ، ما عشتها قبل ذلك و لا أظن أننى سأصادفها من جديد ، و هنا تذكرت أن النعيم زواله حتمى ..
و هكذا أيقظتنى الدنيا من الحلم على التنبيه المتتابع ، فرأيت أنى ضيف فقط فى ذلك البستان ، و إقامة الضيف قصيرة حتى و إن طالت ، فالنفس عزيزة تأبى البقاء فى غير مقامها ، و ما مقام النفس إلا حيث استقر القلب ، و لكن القلب لم يستقر ، ظل فى اضطرابه لا يسكن ، و نبضاته فى كل حين تنبه العقل و تطالبه بالعودة ، فلقد انتهت أيام الضيافة ، و عليك الرحيل قبل أن تخرجك تلك اليد التى قد ادخلتك .. فاخرج راغبا قبل ان تخرج راغما ..
و سارعت إلى الخروج المبكر ، و نسيت انى سأعود إلى البيداء أتابع السراب ميلا بعد ميل دون جدوى ، و رجعت أجرجر فى أثيابى المهلهلة بعدما كنت أرفل فى ثياب النعيم ، و لكن هذا هو عمر السعادة ، مثل عمر الزهور ، أياما معدودات ، و هكذا انتقلت من جديد إلى الصحراء ، لكننى وجدت مرارة غير عادية فى العودة ..
و هذه المرة شعرت بالمعنى الحقيقى للصحراء حينما انكشف الجسد لحر الشمس ، فأحرقت ما ظهر من جسدى و ما وجدت ما أعالج به ما قد اكتوى من لفحة الحر ، و كان القلب هو اول ما انكشف ، و دبت الحرائق فى داخله ليل نهار ، ما عاد سكونه و لا نبضه و لا انتظام ضرباته ، و هفا الحنين الجارف بالقلب إلى البستان و نعيمه ، و إلى تلك اليد و حنانها ..
لكننى مع كل تلك الآلام ، لن أعود كما تواجدت كضيف إقامته محدوده ، و حقوقه محدودة ، و واجباته غير محدودة ، كثر الكلام فى القلب ، و زادت المعارك ، و ازداد اللوم و التأنيب ، و لكننى هذه المرة لن أسمح لتلك المعارك بالاستمرار ، و سأواجه النفس بما تكرهه ، أما رأيت أيها القلب مقامك و حدودك ! اما رأيت أيها القلب شقاءك و انت بداخل مكان ظننته ملكا لك ! ظننت و ظننت و ما تيقنت ، و دفعتنى دفعا نحو الظنون ..
كان عليك التحقق أيها القلب قبل الانتقال إلى البستان من الأصل ، و لماذا لم تبقى فى ذات الصحراء التى ارتضيت بالاقامة فيها اعواما و اعواما ؟ و لماذا أردت التخلى عن ما تبقى لك من صمود فخضعت ليدٍ امتدت نحوك لمجرد الكرم فتمسكت بها أيما تمسك ، و تتبعتها حتى صارت حياتك لا تحلو إلا فى وجودها ، و استطعمت الظل و أعجبتك الأغصان المورقة المثمرة ، و بدون وعى انطلقت لترتعى بين الأشجار ..
اسكن يا قلب و لا تحزن ، و لا تندم ، فالفراق كان مكتوبا حتى قبل الدخول إلى ذلك العالم الوردى ، كان محتوما فى يوم ما ، لأن إقامتك فيه كان عنوانها الضيافة فقط ، فلا مانع من تعجيل النهاية طالما انها نهاية واحدة فى غاية الأمر ، اهدا و اسكن و اصبر ، فلكل ليل صباح ، و لكل ظلمة شعاع من النور يبدد غطاءها و لو قليلا .. و لا تندم على قرارى بالرحيل ، فما رحلت إلا بعدما تيقنت هذه المرة ، و ما تعقبت الظنون .
كان العمر يمر فى الصحراء يوما بعد يوم - مع التعود - حتى صارت البيداء جزءا من القلب ، و توهمت أن الحياة هكذا و لا حياة إلا هناك ، ثم رأيت اليد التى امتدت نحوى بكل حنان ، تحتوى ما تبقى فى قلبى من نور و نضارة ، لتبعث من جديد ما وارته الرمال و حجبته الأحزان ..
و استجبت لتلك الأيدى النديّة ، فظللت أطوف معها إلى أى موقع تأخذنى ، فانطلقت معها غير عابئ بما أفكر فيه ، و إذا بها تدخل بى إلى ذلك البستان المزهر المثمر ، و تطوفنا معا نرتوى من ينابيعه ، و نستظل بظلال أشجاره ، و نسابق الفراشات فى الوقوف على كل انواع الزهور ، كانت حياة منعمة ، ما عشتها قبل ذلك و لا أظن أننى سأصادفها من جديد ، و هنا تذكرت أن النعيم زواله حتمى ..
و هكذا أيقظتنى الدنيا من الحلم على التنبيه المتتابع ، فرأيت أنى ضيف فقط فى ذلك البستان ، و إقامة الضيف قصيرة حتى و إن طالت ، فالنفس عزيزة تأبى البقاء فى غير مقامها ، و ما مقام النفس إلا حيث استقر القلب ، و لكن القلب لم يستقر ، ظل فى اضطرابه لا يسكن ، و نبضاته فى كل حين تنبه العقل و تطالبه بالعودة ، فلقد انتهت أيام الضيافة ، و عليك الرحيل قبل أن تخرجك تلك اليد التى قد ادخلتك .. فاخرج راغبا قبل ان تخرج راغما ..
و سارعت إلى الخروج المبكر ، و نسيت انى سأعود إلى البيداء أتابع السراب ميلا بعد ميل دون جدوى ، و رجعت أجرجر فى أثيابى المهلهلة بعدما كنت أرفل فى ثياب النعيم ، و لكن هذا هو عمر السعادة ، مثل عمر الزهور ، أياما معدودات ، و هكذا انتقلت من جديد إلى الصحراء ، لكننى وجدت مرارة غير عادية فى العودة ..
و هذه المرة شعرت بالمعنى الحقيقى للصحراء حينما انكشف الجسد لحر الشمس ، فأحرقت ما ظهر من جسدى و ما وجدت ما أعالج به ما قد اكتوى من لفحة الحر ، و كان القلب هو اول ما انكشف ، و دبت الحرائق فى داخله ليل نهار ، ما عاد سكونه و لا نبضه و لا انتظام ضرباته ، و هفا الحنين الجارف بالقلب إلى البستان و نعيمه ، و إلى تلك اليد و حنانها ..
لكننى مع كل تلك الآلام ، لن أعود كما تواجدت كضيف إقامته محدوده ، و حقوقه محدودة ، و واجباته غير محدودة ، كثر الكلام فى القلب ، و زادت المعارك ، و ازداد اللوم و التأنيب ، و لكننى هذه المرة لن أسمح لتلك المعارك بالاستمرار ، و سأواجه النفس بما تكرهه ، أما رأيت أيها القلب مقامك و حدودك ! اما رأيت أيها القلب شقاءك و انت بداخل مكان ظننته ملكا لك ! ظننت و ظننت و ما تيقنت ، و دفعتنى دفعا نحو الظنون ..
كان عليك التحقق أيها القلب قبل الانتقال إلى البستان من الأصل ، و لماذا لم تبقى فى ذات الصحراء التى ارتضيت بالاقامة فيها اعواما و اعواما ؟ و لماذا أردت التخلى عن ما تبقى لك من صمود فخضعت ليدٍ امتدت نحوك لمجرد الكرم فتمسكت بها أيما تمسك ، و تتبعتها حتى صارت حياتك لا تحلو إلا فى وجودها ، و استطعمت الظل و أعجبتك الأغصان المورقة المثمرة ، و بدون وعى انطلقت لترتعى بين الأشجار ..
اسكن يا قلب و لا تحزن ، و لا تندم ، فالفراق كان مكتوبا حتى قبل الدخول إلى ذلك العالم الوردى ، كان محتوما فى يوم ما ، لأن إقامتك فيه كان عنوانها الضيافة فقط ، فلا مانع من تعجيل النهاية طالما انها نهاية واحدة فى غاية الأمر ، اهدا و اسكن و اصبر ، فلكل ليل صباح ، و لكل ظلمة شعاع من النور يبدد غطاءها و لو قليلا .. و لا تندم على قرارى بالرحيل ، فما رحلت إلا بعدما تيقنت هذه المرة ، و ما تعقبت الظنون .